كش ملك

سأكتب اليوم كما لم أكتب من قبل

وسأصرح بمشاعر لم أصرح بها من قبل

وسأعلن عما لم أكن أتصور نفسى أننى سأعلنه

وسأحدثكم عما لم أكن أقبل أن يعرفه عنى أحد

حلمت بمدينة فاضلة وبنيتها وتنفستها وعشت فيها

مدينة كل قاطنيها من المحبين وذوات الاحساس الراقى والنفس العفيفة

والقلب الطيب والمشاعر النبيلة

ولم أكن أعلم أن الحياة معركة تجيز كل فنون الحرب من القسوة والتلون

والمكر

وعليك أن تحمى نفسك من الاصابة بالخطر

ورغما عنك يطولك الخطر وتصاب

ولا تعرف من أصابك .. هل هو العدو أم النيران الصديقة ؟

بحثت عن المأوى من هذا الخطر فلم أجد مأوى فى عين أو أذن أو قلب

فلا أحد يرانى حين أبكى ولا أحد يسمعنى حين أشكو

وكثيرا ما حاولت أن أمد يدى للحياة لأصافحها فلا تجد يدى اليمنى سوى

يدى اليسرى لتصافحها

فأصافحها وأقنع بهذا الصديق الجديد

وأرجو ألا يطلب منى أحد البحث عن السعادة

فانها ليست بأزرار تضغط عليها فتصبح سعيدا وتطفئها عند النوم

يقولون أن الذى يحصى همومه ويحسبها ويعرف لها أولا وآخرا هو الذى

يستريح وكما يقولون يعرف راسه من رجليه

ولكن الكثيرين أمسكوا بمسابح طويلة وراحوا يحصون همومهم

فاذا أصابعهم تتحول الى مسابح واذا المسابح تحصى المسابح

واذا هم ينسون العدد وتصبح الهموم بلا عدد

أتذكر مقولة للكاتب الراحل عبد الوهاب مطاوع : أقسى من الجرح أن

تتظاهر بأن ليس بك جرح وأنت الجريح حتى الموت

وظللت أتظاهر بالسعادة وأتصنع الضحكات وأرسم على شفتى الابتسامات

حتى مللت وفاض بى الكيل

أعلم أن السعادة تتمثل فى الحب والرضا ولا أملك الآن سوى الرضا وعلىّ

الاكتفاء به

ولكنى أشتاق لهذا المسمى المفقود المدعو : الحب

كنت بالأمس فى رحلة خارج القاهرة مع مجموعة من أقرب الأصدقاء لقلبى

ورغم أنى كنت سعيدة لاحساسى بأنهم سعداء

الا أننى كنت أطمع أن أجد بينهم الدفء الذى يخفف عنى برودة وقسوة

الحياة

ولكن الحياة أولويات

لا أخفى أننى شعرت للحظة برغبة أن أصرخ فيهم طلبا للدفء الضائع

لعل أحدا يحاول أن يضمنى لصدره

وكالعادة .. لم أصرخ .. لم أطلب .. فقط التزمت الصمت وشردت بفكرى بعيدا

فى محاولة لتخيل قلب يشعر وصدر يضم

ومر الوقت دون أن يشعر بى أحد

ان مثل هذه الحياة تبدو كصندوق الموسيقى يعزف ألحانا جميلة .. ولكنها

جنائزية

ولعلها حتى لا ترقى لصندوق الموسيقى

بل هى بالفعل معركة

وبغض النظر عمن سيهزم الآخر فأنا ومن الآن أرفع الراية البيضاء

ليس استسلاما ولكن اتقاء لشرها

الحياة قالت لى : كش ملك

ولهذا آثرت الانسحاب بجنودى من مملكة الحياة قبل أن تأسرنى

وعلى هذا أصدقائى وصديقاتى

أطلب حق اللجوء العاطفى الى قلوبكم

فهل من متسع ؟؟